كانوا يرون تشبيهنا بالصين إهانة

كانوا يرون تشبيهنا بالصين إهانة

منذ حوالي مائة عام فقط كتب الشيخ محمد رشيد رضا مقالا في جريدته "المنار"، مستنكرا بشدة وصف بعض الغربيين لمصر في تراجعها الحضاري بأنها أصبحت مثل الصين. اعتبر الشيخ هذا التشبيه إهانة بالغة لمصر، فكتب يقول "تجرأ بعض الكتاب الغربيين على تشبيه الشرق الأقصى بالشرق الأدنى وهو تشبيه يدفعه عقلاء الغربيين أنفسهم ووجه الشبه عندهم أن في الشرقين خللاً واحدًا والدول راغبات في التهامهما رغبة واحدة. نقول: أما رغبة الدول فمما لا يجب البحث فيها، وهن قد يرغبن في تناول النجم إذا استطعن إليه سبيلاً، وأما الوجه الثاني: فمما يقتضي دقة النظر وإمعان الفكر. الصين أمة قديمة مغلقة، لا يعلم عنها ما هو كاف للحكم عليها، فقد يكون في باطن تلك الولايات الشاسعة المغلقة قوة وبأس وحياة، وقد يكون فيها عفن وظلمة وانحطاط شنيع، غير أنه قياسًا على بلدانها المفتوحة، لا نظن بلدانها المغلقة أصلح حالاً وأنعم بالاً، وبيانًا لحال البلدان المفتوحة حسبنا أن نقول: إن ألمانيا احتلت كياوتشو بلا حرب ولا نزاع، ولما نزلت الجنود الألمانية إلى المدينة أخلتها الجنود الصينية على الفور، خارجة منها بخوف وهلع، خروج الغنم من صيرها، فأين هؤلاء من أبطال ملونا ودوموكو. أين تلك الشعوب الجاهلة البليدة من هذه الأمم المتعددة الصاعدة في مراقي التمدن في الشرق الأدنى تحت أكناف الدولة العثمانية. زر بيروت و أزمير و الآستانة، ألا ترى نفسك في بلاد متمدنة. إن أمم الشرق الأدنى خارجة من ظلمة الماضي خروج الزهور من أكمامها وما يشبهها بالشرق الأقصى إلا كل من يريد أن يتمحل عذراً لأطماعه فيها. والخلاصة: أن الشرق الأقصى لا يشبه الشرق الأدنى، كما ذهب إليه بعض كتاب الغرب ونقله عنهم بعض كتابنا. ونحسب إهانة للأمة التركية والمصرية والسورية والعربية تشبيههم بالأمة الصينية. وكفى فارقًا بين الأدنى والأقصى كون الأول مستيقظًا عاملاً على اقتباس التمدن الحديث، مجاراة لمقتضيات العصر وعنده من القوة ما يقاوم به أخصامه، والثاني نائمًا ببلادة وكسل فوق فوهة الهاوية" اهـ.

ما الذي حدث؟ كيف تغيرت الصورة في مائة عام فقط حتى أصبحت بلادنا كما نراها الآن تفقد ريادتها ونرى الصين –بمقياس الحضارة والتمدن- تعتبر قوة عظمى؟ كيف تراجعنا بهذا المعدل الكبير؟ وأين الخلل.

وليست المسألة هي فترة المائة عام، وهي فترة قصيرة عموما في عمر الأمم بل لو دققنا النظر لرأينا دولا قد تخطتنا في الخمسين عاما الأخيرة بخطوات وقفزات هائلة. حدثني أحد الأصدقاء، أن وفدا هنديا زار القاهرة عام 1966 وعرض على وزارة الكهرباء المصرية بروتوكولا للتعاون في الأبحاث النووية، فرفضت الوزارة المصرية بلطف هذا العرض، وكانت وجهة نظرها أن الهند دولة متأخرة وأن تعاونا من هذا القبيل ليس له جدوى علمية بالنسبة لمصر. كان هذا منذ أربعين سنة تقريبا، والآن الهند دولة نووية ومن الدول التي غزت الفضاء وأنزلت مركبة لها على سطح القمر، واقتصادها ينمو بتسارع منتظم.

مرة أخرى، ما الذي حدث؟ كيف تغيرت الصورة في أربعين عاما فقط حتى أصبحت بلادنا كما نراها الآن تفقد ريادتها ونرى الهند –بمقياس الحضارة والتمدن- تتطلع لتكون قوة عظمى؟ كيف تراجعنا بهذا المعدل الكبير؟ وأين الخلل. هذه الأسئلة الحزينة تطارد أحلامنا ولا نريد أن تكون سببا لإحباطنا أو يأسنا، وإنما لتكون سببا إضافيا لغيرتنا على أمتنا ورغبتنا في استعادة نهضتنا. هناك أسباب عديدة لتراجعنا، لعل في مقدمتها ضعف الحريات وتدهور التعليم وقلة الشعور بالولاء والانتماء. وقد ينشأ جدل طويل حول هذه الأسباب وغيرها، ولكن ثمة سبب آخر لا يمكن إغفاله بحال، وهو إيماننا العميق بأن أمور العالم كله تجري بتدبير الله تعالى، وأننا كأمة مسلمة لنا حساب خاص وأن ثمة خللا في التزامنا بشرع الله وإقامة أمره في حياتنا العامة والخاصة، ربما يقف وراء هذا التراجع وارتفاع النصرة الإلهية عنا.

جريدة الوسط الإلكترونية